pdfميرامار مجانا للكاتب نجيب محفوظ
"الإسكندرية أخيراً. الإسكندرية قطر الندى، نفثة السحابة البيضاء، مهبط الشعاع المغسول بماء السماء، وقلب الذكريات المبللة بالشهد والدموع. العمارة الضخمة الشاهقة تطالعك كوجه قديم، يستقر في ذاكرتك فأنت تعرفه ولكنه ينظر إلى لا شيء في لا مبالاة فلا يعرفك، كلحت الجدران المقشرة من طول ما استكنت بها الرطوبة. وأطلت بجماع بنيانها على اللسان المغروس في البحر الأبيض، يجلل جنباته النخيل وأشجار البلح ثم يمتد من طرق قصي حيث تفرقع في المواسم بنادق الصيد. والهواء المنعش القوي يكاد يقوض قامتي النحيلة المقوسة، ولا مقاومة جدية كالأيام الخالية. ماريانا، عزيزتي ماريانا، أرجو أن تكوني بمعقلك التاريخي... وعلى دنياي السلام. لم يبق إلا القليل، والدنيا تذكر في صورة غريبة للعين الكليلة المظللة بحاجب أبيض منجرد الشعر. ها أنا أرجع إليك أخيراً يا إسكندرية. ضغط على جرس الشقة بالدور الرابع. فتحت شراعة الباب، فتحت شراعة الباب لنا وجه ماريانا، تغيرت كثيراً يا عزيزتي. ولم تعرفني من الطرقة المظلمة. أما بشرتها البيضاء الناصعة وشعرها الذهبي فقد توهجا تحت ضوء ينتشر من نافذة بالداخل، بنسيون ميرامار؟ نعم يا فندم! أريد حجرة خالية".
قال «نجيب محفوظ» عن «ميرامار» إنها تَعرض شرائحَ كثيرة في المجتمع المصري وترفضها جميعها. ففي الإسكندرية، المدينةِ البَحْرية المنفتحة، التي استوطنَتها الجالياتُ الأجنبية، وخاصةً اليونانيِّين، يقع بنسيون «ميرامار» الذي تمتلكه «ماريانا» — إحدى اليونانيات الباقيات في مصر بعد الثورة — والذي تدور فيه أحداث الرواية؛ حيث يجتمع فيه شخصيات من فئاتٍ عمرية واتجاهاتٍ فكرية مختلفة، مثل الإقطاعي والتقدُّمي والشيوعي والعبثي، مع «زهرة»؛ الفتاةِ الريفية المصرية البسيطة التي هربت من أهلها لكيلا تَتزوَّج من رجلٍ عجوز، فتلجأ إلى العمل في البنسيون، فيطمع فيها كلُّ شخصيات الرواية، وتقع فريسةً في أيديهم، ثم تتصاعد الأحداث حتى تصل إلى ذُروتها بوقوعِ جريمةِ قتل في البنسيون بسببها.